سورة الأعراف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وإلى عَادٍ} متعلقٌ بمضمر معطوفٍ على قوله تعالى: {أَرْسَلْنَا} في قصة نوح عليه السلام وهو الناصبُ لقوله تعالى: {أخاهم} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحداً منهم في النسَب لا في الدين كقولهم: يا أخا العرب، وقيل: العاملُ فيهما الفعلُ المذكور فيما سبق وأخاهم معطوف على نوحاً والأولُ أدنى وأياً ما كان فلعل تقديمَ المجرورِ هاهنا على المفعول الصريح للحِذار عن الإضمار قبل الذكر يرشدك إلى ذلك ما سيأتي من قوله تعالى: {وَلُوطاً} الخ، فإن قومَه لمّا لم يُعهدوا باسمٍ معروف يقتضي الحالُ ذكرَه عليه السلام مضافاً إليهم كما في قصة عادٍ وثمودَ ومدينَ خولف في النظم الكريم بين قصتِه عليه السلام وبين القصصِ الثلاثِ، وقولُه تعالى: {هُودًا} عطفُ بيانٍ لأخاهم وهو هودُ بنُ عبدِ اللَّه بنِ رباحِ بن الخلودِ بنِ عاذِ بنِ غوصٍ بنِ إرَمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ عليه السلام، وقيل: هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن عم أبي عاد وإنما جعل منهم لأنهم أفهمُ لكلامه وأعرفُ بحاله في صدقه وأمانتِه وأقربُ إلى اتباعه {قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية إرسالِه عليه السلام إليهم كأنه قيل: فماذا قال لهم؟ فقيل: قال: {قَالَ يَا قَومِ اعبدوا الله} أي وحده كما يُعرِب عنه قوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} فإنه استئنافٌ جارٍ مَجرى البيانِ للعبادة المأمورِ بها. والتعليلُ لها أو للأمر بها كأنه قيل: خُصّوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئاً إذ ليس لكم إله سواه. وغيرُه بالرفع صفةٌ لإله باعتبار محلِّه، وقرئ بالجر حملاً له على لفظه {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} إنكارٌ واستبعادٌ لعدم اتقائِهم عذابَ الله تعالى بعد ما علموا ما حل بقوم نوحٍ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ أي ألا تتفكرون أو أتغفُلون فلا تتقون، فالتوبيخُ على المعطوفين معاً أو أتعلمون ذلك فلا تتقون فالتوبيخُ على المعطوف فقط وفي سورة هودٍ: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ولعله عليه السلام خاطبهم بكل منهما وقد اكتُفي بحكاية كلَ منهما في موطن عن حكايته في موطن آخرَ كما لم يذكر هاهنا ما ذكر هناك من قوله تعالى: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} وقِسْ على ذلك حالَ بقيةِ ما ذُكر وما لم يُذكر من أجزاء القصةِ بل حالَ نظائرِه في سائر القصصِ لا سيما في المحاورات الجاريةِ في الأوقات المتعددة والله أعلم.


{قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} استئنافٌ كما مر وإنما وُصف الملأُ بالكفر إذْ لم يكن كلُّهم على الكفر كملأ قومِ نوحٍ بل كان منهم من آمن به عليه السلام ولكن كان يكتُم إيمانَه كمرثد بن سعد، وقيل: وُصفوا به لمجرد الذم {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} أي متمكناً في خِفّة عقلٍ راسخاً فيها حيث فارقتَ دينَ آبائِك، ألا إنهم هم السفهاءُ ولكن لا يعلمون {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} أي فيما ادعيْتَ من الرسالة، قالوه لعراقتهم في التقليد وحِرمانِهم من النظر الصحيح {قَالَ} مستعطفاً لهم ومستميلاً لقلوبهم مع ما سمع منهم ما سمع من الكلمة الشنعاءِ الموجبةِ لتغليظ القولِ والمشافهةِ بالسوء {ياقوم لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ} أي شيءٌ منها ولا شائبةٌ من شوائبها {وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين} استدراكٌ مما قبله باعتبار ما يستلزمه ويقتضيه من كونه في الغاية القصوى من الرُّشد والأناةِ والصدقِ والأمانة، فإن الرسالةَ من جهة ربِّ العالمين موجبةٌ لذلك حتماً، كأنه قيل: ليس بي شيءٌ مما نسبتموني إليه ولكني في غاية ما يكون الرشدُ والصِّدقُ. ولم يصرِّحْ بنفي الكذِب اكتفاءً بما في حيز الاستدراك. و{من} لابتداء الغايةِ مجازاً متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لرسولٌ مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، وقولُه تعالى: {أُبَلّغُكُمْ رسالات رَبّى} استئنافٌ سيق لتقرير رسالتِه وتفصيلِ أحوالِها، وقيل: صقةٌ أخرى لرسولٌ والكلامُ في إضافة الربِّ إلى نفسه عليه السلام بعد إضافته إلى العالمين وكذا في جمع الرسالاتِ كالذي مر في قصة نوحٍ عليه السلام، وقرئ {أُبْلِغُكم} من الإبلاغ {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} معروفٌ بالنصح والأمانةِ مشهورٌ بين الناس بذلك، وإنما جيء بالجملة الاسميةِ دِلالةً على الثبات والاستمرار وإيذاناً بأن من هذا حالُه لا يحوم حولَه شائبةُ السفاهةِ والكذب.
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ} الكلامُ فيه كالذي مر في قصة نوح عليه السلام {على رَجُلٍ مّنكُمْ} أي من جنسكم {لِيُنذِرَكُمْ} ويحذرَكم عاقبةَ ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي حتى نسبتموني إلى السفاهة والكذبِ، وفي إجابة الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُه عليهم أجمعين من يشافِهُهم بما لا خير فيه من أمثال تلك الأباطيلِ بما حُكيَ عنهم من المقالات الحقة المعربة عن نهاية الحلم والرزانة وكمالِ الشفقةِ والرأفة، من الدلالة على حيازتهم القدحَ المُعلَّى من مكارم الأخلاق ما لا يخفى مكانُه.
{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} شروعٌ في بيان ترتيبِ أحكامِ النصح والأمانةِ والإنذارِ وتفصيلِها، وإذ منصوبٌ باذكروا على المفعولية دون الظرفية، وتوجيهُ الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ بالذات للمبالغة في إيجاب ذكرِها لما أن إيجابَ ذكرِ الوقت إيجابٌ لذكر ما فيه بالطريق البرهاني، ولأن الوقتَ مشتملٌ عليها، فإذا استُحضر كانت هي حاشرةً بتفاصيلها كأنها مشاهَدةٌ عياناً، ولعله معطوفٌ على مقدر كأنه قيل: لا تعجبوا من ذلك أو تدبروا في أمركم واذكروا وقتَ جعْلِه تعالى إياكم خلفاءَ {مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي في مساكنهم أو الأرض بأن جعلكم ملوكاً، فإن شدادَ بنَ عاد ممن ملك معمورةَ الأرضِ من رمل عالِجٍ إلى شجر عمان {وَزَادَكُمْ فِى الخلق} أي في الإبداع والتصوير أو في الناس {بَسْطَةً} قامةً وقوةً فإنه لم يكن في زمانهم مثلُهم في عِظَم الأجرام، قال الكلبي والسدي كانت قامةُ الطويلِ منهم مائةَ ذراعٍ وقامةُ القصير ستين ذراعاً {فاذكروا ءالآء الله} التي أنعم بها الله عليكم من فنون النَّعماءِ التي هذه من جملتها.
وهذا تكريرٌ للتذكير لزيادة التقرير، وتعميمٌ إثرَ تخصيص {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} كي يؤديَكم ذلك إلى الشكر المؤدّي إلى النجاة من الكروب والفوزِ بالمطلوب.


{قَالُواْ} مجيبين عن تلك النصائحِ العظيمة {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ} أي لنخُصّه بالعبادة {وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} أنكروا عليه عليه السلام مجيئَه لتخصيصه تعالى بالعبادة والإعراضِ عن عبادة الأوثان انهماكاً في التقليد وحباً لما ألِفوه وألِفوا أسلافَهم عليه. ومعنى المجيء إما مجيئُه عليه السلام مِنْ مُتَعَبَّده ومنزلِه وإما من السماء على التهكم وإما القصدُ والتصدّي مجازاً كما يقال في مقابلِه: ذهب يشتمني من غير إرادةِ معنى الذهاب {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب المدلولِ عليه بقوله تعالى: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أي في الإخبار بنزول العذابِ، وجوابُ {إن} محذوفٌ لدلالة المذكورِ عليه أي فائتِ به.
{قال قد وقع عليكم} أي وجب وحق أو نزل بإصراركم هذا بناءً على تنزيل المتوقَّع منزلةَ الواقعِ كما في قوله تعالى: {أتى أمرُ الله} {من ربكم} أي من جهته تعالى. وتقديمُ الظرف الأولِ على الثاني مع أن مبدأ الشيءِ متقدمٌ على منتهاه للمسارعة إلى بيان إصابةِ المكروهِ لهم، وكذا تقديمُه على الفاعل الذي هو قوله تعالى: {رجس} مع ما فيه من التشويق إلى المؤخّر، ولأن فيه نوعَ طولٍ بما عُطف عليه من قوله تعالى: {وغضبٌ} فربما يُخِل تقديمُها بتجاوب النظمِ الكريم، والرجسُ العذابُ من الارتجاس الذي هو الاضطرابُ، والغضب إرادةُ الانتقامِ، وتنوينُهما للتفخيم والتهويل {أتجادلونني في أسماء} عاريةٍ عن المسمى {سميتموها} أي سميتم بها {أنتم وآباؤكم} إنكارٌ واستقباح لإنكارهم مجيئَه عليه السلام داعياً لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وتركِ عبادةِ الأصنام أي أتجادلونني في أشياءَ سمَّيتموها آلهةً ليست هي إلا محضُ الأسماءِ من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيءٌ ما لأن المستحِقَّ ببمعبودية بالذات ليس إلا من أوجد الكلَّ وأنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آيةٍ أو نصبِ حُجةٍ وكلاهما مستحيلٌ، وذلك قوله تعالى: {ما نزل الله بها من سلطان} وإذ ليس ذلك في حيز الإمكانِ تحققَ بُطلانُ ما هم عليه {فانتظروا} مترتبٌ على قوله تعالى: {قد وقع عليكم} أي فانتظروا ما تطلُبونه بقولكم: فائتنا بما تعدنا، إلخ {إني معكم من المنتظرين} لما يَحِلُّ بكم. والفاء في قوله تعالى:

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13